إجمالي مرات مشاهدة الصفحة


الخميس، 17 فبراير 2011

عصفور فقد هويته

عصفور مسكين قالوا عليه سنين وسنين "ثائر ... متمرد ... تايهة فى عالم فى خياله" العصافير اصحابه تركوه خافوه من ثوراته ... حزن العصفور كثير وكثير ... افتكر ان دا صوت الهه ليه ...هم كمان قالوا له "لازم تسمع كلامنا دا صوت ربنا ليك ... اهدى يا عصفور واسكت شوية" ... كل مره يتكلم ...يضحكوا عليه ويقولوا لسه برضه متمرد وثورجى ...

قعد العصفور على غصن بعيد مكسوف من طبعه وشخصيته اللى مش عارف يخبيهم ويبقى زى العصافير الحلوين ... وع قهر العالم لثورته قرر باردته يخضع لكل قهر عشان يبقى عصفور حلو كنارى جميل بيسمع الكلام مطيع وطبعه جميل ...

دمعاته نزلت كثير وكثير ... ولقى انه يمكن لو قرا فى كتب النساك ها يتعلم منهم يعقل ويبقى حلو... سنين يقرا ويقرا ويستنشق الكلمات فى اعماقه ويرفض كل فكره وكلماته وشخصيته الثورجية المتمردة ... تخيل فى ذهنه ان فيه زلطه كبيرة فى فمه ... بس هى دى الفكرة الوحيدة اللى يسكت نفسه بيها عشان مش كل مرة يخسر حبايب ويبقى وحده ثورى متمرد ... بس كدا ها يبقى عصفور كنارى مطيع وحلو ...

بس خسارة بعد ما نجح فى انه ينسى نفسه وهو مين جه يوم خمسة وعشرين يناير من عام ابتدا بكوارث ... وصحى على صوت ثوار ... افتكر نفسه وهو صغير ف الاول شكر ربنا انه كبر لانه لو لسه صغير كانت ماما حبسته عشان خايفة من شقاوته وطبعا كانت ها تقفل التليفونات والنت والتلفزيون ...

بس للاسف انه اكتشف ان الشخص الثورى هو اصلا شخص طموح وف طاعته وخضوعه صادق وامين ... وف رفضه مؤدب وحكيم بس فين الثقافة اللى تفهم وتحترم الشخص الثورى المتمرد وتسيبه يعبر عن نفسه وطموحاته ... فين الثقافة اللى تسيبه يعيش وينمو وينضج يمكن بعد يوم خمسة وعشرين ها تبدا مجتمعاتنا-- المجتمع الصغير والكبير-- تحترم الشخصيات الثورية وتشوفهم بعمق اكثر وتحترمهم...

خسارة اللى حبيناهم ووثقنا فى مستقبلنا بين ايديهم يرفضوا الشخصيات التى تبدوا ثورية متمردة وتتعرض هذه الشخصيات للعزلة والنبذ والتاديب الى ان تعود الى الطريق الصحيح ... تغير معالم الشخصية تماما ...تغيير طريقها وهويتها ... تغيير بصمتها وطاقتها ومواهبها... ليه ننظر الى الشخص --اللى بنسميه بحسب ثقافتنا-- "الثورى" انه خطر على المكان الموجود فيه وخطر على ثقافته وخطر على الكنارى الصغير من رفقاءه ... لان وجودة ها يكشف حالة الجمود الروحى والفكرى الموجود ... وجوده مش مناسب لمن يجد نفسه خادم للجبابرة ليرثهم بعد ذلك ويتقمصهم فى كلماته ومشياته وحتى ملامحه تتغير ...
ياترى احنا غالبا بنحب ونثق فى اشخاص مش مناسبين؟؟!! بس احيانا الناس دى هى مجتمعانا الصغير اللى بنعيش ونتربى فيه ونقضى اجمل سنين عمرنا

ممكن الشخصيات دى هى اللى تبنى مش هى اللى تهدم ...لانها شخصيات صادقة جدا ولا تعرف الاقنعة ولا تأبهة بجمالها... مش هى اللى بتحدف الطوب هى اللى بتنحنى فى الشارع لتاخذه وتضعه بعيدا ليسير الكل كبيرا كان او صغير حتى من رفضهم بلا تعثر

ندم العصفور انه اتخلى عن كثير من احلامه واركان اساسية فى هويته عشان اللى حبهم .. واتمنى يكون واحد منهم ... جزء من عالمهم المطيع المثالى ... وهمى وخيالى ... لانه حتى بعد ما دفن هويته بنفسه برضه لقى نفسه مكان لعازر البلايا
.

فى مملكة الخوف كنارى جميلة وكلها بهاء تشتهى النفس ان تجد لها مكان بينهم ... بس بعد ما تسقط ممالك الخوف من كل مجتمعاتنا ... تظهر الحقيقة والجمال اللى شافته العين وانبهرت بيه يطلع ضعف مهين تابى النفس العزيزة ان تجد نفسها فى هذا الموقف

بس هو دلوقتى مش مكسوف يواجه من قالوا عنه انه ثورى ومتمرد بكل فخر من غير خوف من الحرج والكلام الجارح ... الحياة فى العراء فى ميدان التحرير شرف مش تخوفه ولا تجرحه ولا تهينه ... كرامة وشرف هو مش يستحقه

العصفور طلع الزلطة من حلقة عشان يعرف يصرخ ويتكلم كويس ... مش عشان يجرح حد ... هو لسه مش عارف ها يرجع لنفسه تانى ازاى بعد ما دفنها هو بنفسه ... بس راجع مهما ان كان ... راجع مهما ان كان ... خسائر التقهقر ودفن البصمة الحية فى داخلى اكثر كثير من خسائر التمرد والثورة ... لانها كانت ثورة بيضاء بريئة لا تعرف التجريح لكنها باحثة عن حرية جميلة ملتزمة ....

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق